الخميس، 3 أكتوبر 2013

الطّبول وأصولها الأسطوريّة

يرجع العلماء ان الشكل الأول للطبول كان يتالف من جذع شجرة مجوف يستحدث نغمتين متمايزتين من كل فتحة من فتحتي الجذع ، وكانت الطبل تقرع بالعصا أو العظام فيحدث ذلك دويا يحمل في أعطافه معنى القوة ، والآثار الباقية من تلك الطبول يبلغ حجمها عشرين قدما من حيث الطول وسبعة أقدام من حيث العرض ، وأخذ هذا الحجم يقل تدريجيا بمرور الزمن ، ولقد أصبحت الطبول من الأدوات التي لا يمكن الاستغناء عنها عند الانسان البدائي ، ذلك لانه كان يعتقد ان لها قوّة سحرية خارقة الى جانب وظائف أخرى تتصل بحياته وعلاقاته وارتباطه ببيئته ، وكان ذلك الانسان يتصور انها أقدس الآلات الموسيقية ومن ثمّ أتيح لها ان تتطور وأن تتخذ في تطورها أشكالا مختلفة .
وليس من شك في ان الطبول قد استخدمت في كثير من البلاد في الاحتفالات الدينية ، وكان الكهان يحرصون على قرعها بطريقة معينة تحدث للمستمع حالة من الوجد تجعله ـ كما كانوا يعتقدون ـ صالحا للاتصال بالآلهة والقوى الروحية ، وكانت الطبول تقرع عند تلاوة التعاويذ لطرد الأرواح الشريرة ، وعند تقديم القرابين للآلهة .
ويرتبط الرقص والغناء ارتباطا وثيقا بالطبل وتتنوع الرقصات بتنوع ايقاعات الطبول وعلى دقاتها الرتيبة تقوم الراقصة بأداء رقصة تعبر بها عن الآلام التي تشعر الأم قبل أن تضع مولودها فيتلوى جسد الراقصة ويختلج تعبيرا عن آلام المخاض ، وعلى ايقاعاتها الساحرة تنهض الجماعات بالرقص في حفلات الزواج والختان ، وفي احتفالات الصيد والحصاد ، وعلى أنغامها ترقص الجماعات البدائية استجلابا للمطر ودفعا لأذى الأرواح الشريرة واسترضاء للقوى الخارقة ، وعلى دقاتها القوية تؤدي الجماعات رقصات الحرب ، ومن بين الرقصات التي تعتمد على ايقاعات الطبول الرقصات التي تهدف الى الشفاء من الامراض .
ولا يعرف ، على وجه التحقيق ، أصل الطبل ، وتزعم بعض القبائل البدائية انهم عرفوا الطبل عندما شاهدوا طائرا يضرب الأرض بذيله الذي يشبه الطبل فيحدث ايقاعات ساحرة .
وترتبط الطبل في أذهان كثير من الشعوب البدائية بعملية الاخصاب ، وهي ترمز للانثى عند كثير من القبائل بينما ترمز العصا التي تطرق بها الطبل الى الرجل .
واذا كانت الطبل تحمل هذا المفهوم الجنسي عند بعض البدائيين فانها تعين بعض المجتمعات الاخرى على التغلب على شهوات الجسد والسمو بالروح ، ويتضح هذا في الحفلات التي تقيمها بعض الطوائف الصوفية في مصر وغيرها من البلاد .
وترمز الطبل في بعض الحضارات الشرقية الى مفاهيم اكثر تجريدا فنجد مثلا ان الاله الهندي ( شيفا ) يقترن مظهره الراقص بطبل صغيرة على شكل ساعة رملية ، تمثل الصوت والاتصال والوحي والرقية والسحر .
واذا كانت الطبل قد استخدمت في بعض المجتمعات لتضفي هالة من القداسة على بعض الاشخاص فانها قد استخدمت ايضا عند تنفيذ حكم الاعدام في بعض الخونة والمجرمين وقرعت لكي يعلم القاصي والداني بما لحق هؤلاء من عار بسبب مسلكهم الشائن .
وعندما كان ينتشر وباء معين في بعض المجتمعات البدائية كان الأهالي يختارون عددا معينا من الضحايا يسوقونهم أمامهم خارج القرية على دقات الطبول ، ويطردون منها اعتقادا بأنهم يحملون معهم الوباء الذي حلّ بالقرية فيستعيد سكانها قواهم وينعمون من جديد بالصحة والعافية .
وكثيرا ما تثبت بالطبل بعض الجلاجل اذ يعتقد انها تضفي عليها قوة سحرية خاصة ويعتقد ان الطبل تظل لا تحدث صوتا الا أن يبتهل قارع ال
طبل الى الارواح لتدخل فيها ، ومن المعتقدات الشائعة آنذاك ان كل كائن خارق يمكن استدعاؤه اذا قرعت الطبل بطريقة معينة وان الصوت الذي يصدر من الطبل عند قرعها هو صوت اله وصوت مقدس ومؤثر .
وفي بعض البلاد تفرد للطبول منازل خاصة ويعين لها حراس لا عمل لهم الا رعايتها ، وهذه الطبول ليست آلات عادية ولكنها طبول مقدسة لا يستخدم الا في المناسبات المقدسة ، وفي كل اسبوع أو اسبوعين تشعل المواقد ويطلق البخور امام هذه الطبول ، وفي الليلة التي تسبق يوم المهرجان يصب عليها قليل من الخمر وتغسل جيدا بالماء الساخن بعض النباتات ذات الرائحة العطرية وتثبت لها اربطة جديدة ويقوم احد الحراس بالتلويح امامها بعلم في الجهات الاصلية الاربع بينما يقوم حارس اخر بالرقص ، وهو يضع على راسه غطاء خاصا بهذه المناسبة وتطلق الالعاب النارية ولا تنقل الطبول من البيت المخصص لها للاشتراك في المهرجان الا بعد الانتهاء من هذه المراسيم .
وتزين الطبول باشكال مختلفة من اعمال الحفر والرسم وكثيرا ما تلصق اشياء مختلفة بالاطار تستهدف زيادة قوة الطبل ، وفي بعض المناطق تلحق بالطبل زوائد تشبه الاسنان أو الاقدام لتثبت بها على الارض ، وفي جهات اخرى تصنع الطبول على هيئة انسان أو حيوان ، وبخاصة النمر والتمساح ، ويعتقد الأهالي ان صنع الطبل على هذا النحو يضفي عليها القوة التي تتمتع بها هذه الحيوانات ، وتحتفظ بعض القبائل ببيت يشبه الطبل في الشكل توضع فيه أكبر طبلين عند القبيلة وترعاهما امراة تلقب بزوجة الطبول وتنحصر مهمتها في حلب قطيع الابقار التي تملكها هاتان الطبلان المقدستان ، كما تقوم بصنع الزبد من ألبان هذه الابقار ، وتقدم هذه المراة اللبن الى الطبلين المذكورين كل يوم وتحافظ على نظافة البيت ، وفضلا على هذا فان هناك امراة اخرى توقد النار في هذا البيت حتى توفر لهاتين الطبلين درجة الحرارة المناسبة ، وعندما يولد طفل لاحد رجال هذه القبائل او في أي مناسبة سعيدة اخرى يقدم المبرزون من رجال هذه القبائل بعض الماشية او الجعة الى الطبلين المذكورين .
وتحمل الملاحم البدوية والشعبية ذكرا لاستخدام الطبول في الحرب وعند الاستنفار ويطلق على الطبول في السيرة االهلالية ( الرجوج ) عندما يراد استحداث دوي هائل للاعلان عن حدث كبير او للانذار بغارة او لاستنفار القبائل لملاقاة العدو . 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق