أحب البحر كثيرا ،، منظره الهاديء والغاضب .. منظره في النهار وهو يعانق اشعة الشمس .. ومنظره في الليل تتراقص فوق صفحاته انوار القمر ،، كأن همسا سريا لا يخلو من أحاديث العشق والشوق يدور بينهما .. احب البحر كثيرا .. مدّه الممتليء بالكبرياء ، وجزره المفعم بالتواضع ، وامواجه الهادرة ترتطم بصخور الشاطيء تنقش عليها تضاريس العنفوان ،، ونسماته الرقيقة تداعب منعشة شجيرات الروح المتعبة .. هذا البحر عجيب .. ملهم الشاعر ، وخندق اسرار العاشق ، وملاذ الحزين ، وانشودة البحار ، ولوحة الفنان ، ومرتع الصغير ، ومغامرة الكبير ..
حين كنا صغارا ، يعبث بنا الفراغ ليلا ونهارا ، كان البحر بالنسبة لنا ملعبا نهرب اليه في اوقات القيظ الشديد ، وكان ذلك يشكل لنا سعادة وبهجة لا توصف .. وحين يأتي الليل نتخذه سكنا نعبث برماله الباردة والتي تعبق برائحة النسيم تلك الذكريات تشكل لنا الان ماض جميل ، كان يحلو به المرح والعبث والحلم ،، وكانت متعتنا الحقيقية ان نهرب من رقابة الاهل ، لنتسلى بمخاطر البحر ، وتلك كانت تملؤنا زهوا وفتوة  ، كنا نغسل همومنا ومتاعبنا بمياه البحر .. ومن اروع مناظر الطبيعة والذي يتجلى فيه البحر خلابا يلبس اثواب الزينة والابداع هو تساقط المطر الرذاذ فوق سطح البحر ،، ليشكلا ثنائيا رائعا تستمتع العين بالنظر اليهما ، وتطرب الروح لهما ، واذا كنت قريبا جدا من البحر تسمع صوت المطر يداعب سطح البحر ، كأن رائعة تعزفها الطبيعة الربانية قلما تتكرر امامك ، وترى ايضا الحلقات التي تنقشها زخات المطر فوق المياه بدقة متناهية تغار منها ريشة الفنان .. كم جميل هو البحر حين نحاوره ، وحينما نجلس معه ، وحينما تسمعنا امواجه الخفيفة في هدأة الليل نغمات الهمس البريء .. كم جميل هو البحر حينما نمخر عبابه لا ننتظر نهاية ، وما اجمله وهو يحضن المرافيء الراقدة بكنفه بكل حنان وعزة ، وما اجمل البحر حينما تسامره احلام الحالمين .. واما اروع ما تراه العين ان ترى الهدوء بهذا البحر الجميل ..