الثلاثاء، 14 أكتوبر 2014

المال... كيف نشأ وتطور من نظام المقايضة إلى الأوراق النقدية والنقود المعدنية





يصنع المال في أيامنا هذه من قطع الورق المطبوع أو المعادن، وهذه القطع ليست لها قيمة في حد ذاتها، لكن ثقة الناس بنظامهم النقدي هو ما يعطيها قيمة معتبرة. المال هو دليل مقبول على الثروة، ومقياس لأهلية تسلم البضائع وتلقي الخدمات شرط أن يكون هو نفسه (أي المال) نقدا قانونيا. 

إن دور المال الرئيسي هو خلق طريقة مريحة ومقبولة في المبادلات صالحة للبضائع التي يريد الناس شراءها أو بيعها، والخدمات التي تؤدى لهم. ولم يكن المال دائما بالشكل الذي نعرفه الآن كما لم يكن النظام الوحيد في المبادلات. قبله كان نظام المقايضة هو السائد. 

إن سكان جزيرة جيلبرت استعملوا صنانير صيد السمك، وفي منشوريا والصين استعمل الطوب الأحمر. أما الملح فقد استعمل في إثيوبيا وفي بلاد أخرى، بينما استعملت قبائل الميساي في شرق إفريقيا وحتى إلى عهد قريب الماعز والأبقار. أما في النمسا وألمانيا بعد الحرب العالمية فتم استعمال الصابون والسجائر من قبل الجنود والمدنيين على السواء. 

ولم تكن إحدى هذه السلع قد استخدمت على النطاق العالمي، لأن ظهور قطع النقود برهن في ما بعد عن كونها أسهل ونظاما أشد قبولا في التجارة والإدخار الخاص، والسبب أن معظم السلع التي ذكرناها غير قابل للتجزئة، بالإضافة إلى مساوئ استخدام الماعز والبقر. 

ومع أن المراجع الاقتصادية تختلف في التاريخ الصحيح لظهور القطع النقدية، يبدو أن الملك "دجيكس" في "ليديا" من آسيا (716 – 678) ميلادية كان أول من أنتج أول قطعة نقد حقيقية منذ حوالي 2500 سنة، كما ابتدعت الصين قطعا من النقد يدعى كاش انتشر قي اليابان وكوريا حوالي ذلك التاريخ، لكن الروحية العملية وراء انتشار استعمال القطع النقدية تقرر إلى حد بعيد، جراء إيجاد حل تقني واقتصادي للمصاعب التي واجهت صناعة مئات من قطع النقد المتساوية، في وقت كانت فيه معرفة تقنية الفبركة بسيطة وكانت فيه أدوات بدائية فقط. 

إن قطع النقود في "ليديا" صنعت كل على حدة، عن طريق سبائك معدنية كانت توضع ضمن قالبين: واحدة تحت السبيكة وأخرى عليها صورة الملك. وكان العامل يطرق بشاكوشه على القالب الفوقي لتخرج قطعة نقطية قاسية. ويمكن رؤية الأمثلة الجديدة على هذه التقنية في متحف المسكوكات والمعادن في أثينا، حيث تم سك مثل هذه النقود في القرن الخامس قبل الميلاد. 

وكان ختم المعدن بصورة رأس الملك رمزا لتعريف القطعة النقدية كعملة قانونية كما حدث في أثينا، وهذا يعني نظريا أنه إن لم يوجد من يبادل هذه العملية ببضائع أو خدمات، فإن الرجل الذي ارتسم شكله على القطعة النقدية سيبدلها. وكانت الصورة مهمة أيضا للتعريف في وقت كان غالبية الناس من الأميين. 

ولمدة سنين طويلة كانت القطع النقدية تصنع من الفضة والذهب لسهولة هذه المعادن ووفرتها ومقاومتها للتلف. ومنذ البداية صنع المال من المعدن وبعدها من الورق وأحل محل نظام المقايضة وقبل كوحدة للمبادلة. وقد قبل الذين لم يعرفوا استعمال النقد تلك القطع النقدية كقيمة مقبولة قبل أن يتم استعمالها لشراء البضائع. 

لقد استغرق مفهوم استعمال النقد وقتا طويلا ليفهم عالميا، وما زال حتى الآن غير مقبول على الوجه الأكمل في بعض مناطق العالم النائية. ففي شرق أفريقيا مثلا رأى شعب الماساي في قطع النقود شيئا لا قيمة له على الإطلاق، إلا في كونه صالحا للزينة فقط. ومنذ البدء كانت قطع النقود في شرق أفريقيا مثقوبة واستعملت عقودا وحلقا، في حين استعملها بعض قبائل الماساي لأغراض أخرى، لأن فكرة دفع ثمن البضائع بالنقود لم تكن معروفة في تلك الأيام. وقد ذكر الكاتب الأمريكي ويليس عام 1930، أن المناطق النائية في اليونان استعملت قطع النقود للزينة فقط، وأن المقايضة كانت العملية اليومية الوحيدة. 

ولمدة آلاف السنين كانت المقايضة مقبولة لمبادلة البضائع والخدمات للآخرين، لكن الوهن الكبير في هذا النظام كان صعوبة تثبيت القيمة. إن الرجل الذي يملك خمسة رؤوس من الماعز ليبادلها بمحراث جديد، لم يكن عنده طريقة لشراء المحراث إذا كان الشخص الذي يملك المحراث لا يريد أن يبادله بماعز، رغم أنه قد تكون لديه الرغبة في المبادلة بشيء آخر لا يتوافر لدى الشخص الآخر. 

إن ميزة أوراق القد تكمن في أن السعر يكون في قطع النقود نفسها، بحيث يقبلها المشتري والبائع، كما تمكن أي شخص من استعمالها أو ادخارها ليشتري بها ما يحلو له. وبكلمة أخرى فإن هذه القطع تملك مستودعا من القيمة. 

إن المعضلة الكامنة في نظام المقايضة هي أحد الأسباب وراء تدهور استعماله في كثير من الدول الشيوعية السابقة في التجارة الدولية رغم النقصان المستمر الذي كان عندهم من العملة العالمية. وقد كان أمرا طبيعيا بالنسبة إلى بلد مثل رومانيا أن تعرض كمية من المواد الغذائية ثمنا للمعدات. لكن ممولي المعدات لم يكونوا بحاجة إلى هذه المواد الغذائية، الأمر الذي اضطرهم لاستخدام خدمات وكالات متخصصة كان باستطاعتها أن تبيع هذه المواد الغذائية في مكان آخر للحصول على المال. 

وبهذه الطريقة كان يتم الحصول على المال نقدا. لكن هذه الطريقة مربكة وأحيانا مكلفة للقيام بالأعمال. ومن الأمثلة على ذلك ما فعله أحد تجار جلود الخراف في بلد آسيوي عندما أراد أن يقايض جلود بمعدات زراعية بريطانية. ويجهل منه أرسل الجلود إلى مصرفه في لندن. "إنه لشيء مستحيل" قال ذلك أحد مديري المصرف. "ماذا بوسعنا أن نفعل بآلاف المعاطف من جلود الخراف هذه المكدسة في ردهة الاستقبال في مصرفنا في حي المال في لندن؟". 

هذه الحادثة ترمز إلى أهمية القطع النقدية الأولى التي سكها الملك دجيكس، وإلى التطور الذي طرأ على المفعول القانوني للقطعة النقدية كوحدة للمبادلة. 

إن المعادن الثمينة مثل الذهب والفضة، مستعملة قليلا في النظام النقدي في القوت الحاضر، لسبب بسيط هو أن سعر الذهب أو الفضة المستعملان في القطع النقدية أصبح أغلى من القيمة الشكلية لقطع النقود، إن سك أو تزييف النقود في بريطانيا أو في أي مكان آخر هو في الحقيقة جنحة مخالفة للقانون. وبالنسبة إلى الفضة فقد اختلف في أمرها، فقيل إن بالإمكان تقليل محتوى الفضة في القطعة نفسها، الأمر الذي يجعلنا نستمتع بالقطع النقدية التي لها بعض القيمة خارج حدود المنشأ، بيد أن تموين عام واحد من القطع النقدية قد يختلف كثيرا في القيمة الجوهرية عن الآخر. 

هذا الأمر قد يطرح حالة معقدة، حيث أن قيمة القطع النقدية نفسها قد تدمر القواعد المرتكزة عليها كوحدة للمبادلة. لذلك فإن القطع النقدية التي تبدو الآن كالقطع الفضية في كثير من البلدان، تصنع من النيكل أو من معادن أخرى رخيصة، ما يردنا إلى حقيقة أن القطعة النقدية تساوي القيمة المقبولة من قبل أولئك الذين يستعملونها. 

لكن ما الذي يحفظ قيمة القطع النقدية لبلد ما؟ 

تكمن معرفة قيمة أي نقد أثناء استخدامها للتبضع. وبالرغم من ذلك ما زال كثير من الناس يعتقد أن قيمة أي قطعة هي تلك المدعومة باحتياط كاف من الذهب لدى مصرف الدولة. 

إن هذا الأمر لم يعد صحيحا، الحقيقة أن العملة الجارية تحتفظ بقيمتها عبر معدل الائتمان العالمي الذي يستند إلى القوة الإنتاجية لبلد ما، في إنتاج البضائع وبيع الخدمات، وفي الاستثمار المربح في البلد نفسه، وفي البلاد الأخرى. 

هذا المعدل إلى جانب احتياط الذهب والعملات العالمية الجارية، يصطلح عليه في أيامنا هذه في مقياس جديد هام من الائتمان يدعى "حقوق السحب الخاصة" المعطاة لكل البلاد المنضوبة في صندوق النقد الدولي. 

وقبل مئات السنين لم تكن هناك عملة عالمية مقبولة عالميا كالدولار الأمريكي والجنيه الإسترليني. وكانت عمليات المبادلة تتم في الذهب والفضة بالوزن. وكان تبني طريقة "محك الذهب" هو الطريقة العملية الوحيدة عند معظم الناس لإرضاء أنفسهم عن كون المعدن المطروح هو معدن ذهبي صاف. ومحك الذهب قطعة من حجر الأردواز التي إذا حكت بالذهب الخالص علتها طبقة خفيفة من الغبار المعدني، وتظهر منقورة غير لامسة إذا كان الذهب مغشوشا. 

وفي المراحل الأولى كانت هناك صعوبات أخرى أعاقت استعمال القطع النقدية، وهي عملية نقل المعادن من مكان إلى آخر في البلاد، لكن المجموعات الأخف من القطع النقدية كانت تسك غالبا في المدن الكبرى. إن "دار السكة الملكي" في بريطانيا مثلا تحتكر سك النقد منذ مئات السنين، أما دور السك الأخرى فقد أغلقت بسبب استحالة صد الناس عن تزوير النقد بخلطه بمعادن رخيصة. وقد أعدم الذين قبض عليهم في الساحات العامة. لأن السلطات في بريطانيا وفي الأماكن الأخرى ، كانت أدركت منذ البداية بأن الثقة العامة في ضبط الإصدار والمستوى الشكلي لقطع النقود هما شيء جوهري وضروري لنظام نافذ فعال. 

غير أن الحكام فيما مضى لم يترددوا من تزوير النقود بتقليل محتوى الذهب أو الفضة حين كان فعل هكذا يخدم أغراضهم. وحين كانت مصر تحت السيطرة الرومانية، رفض صرافو الأموال المصريون قبول القطع الفضية الرومانية مقابل قطعهم النقدية، لأن الأمبراطور جالينوس كان خفض محتوى الفضة بحيث تدهورت قيمتها أمام قيمة النقود المصرية. 

وفي بريطانيا ما زالت تسك الجنيهات الذهبية رغم أنها ليست للاستعمال الداخلي. وهناك قبائل في الشرق الأوسط وآسيا ما زالت تعتبر القطعة النقدية الذهبية هي القكعة المصونة الوحيدة والأسلم بين المال، وما زالت القطع النقدية الذهبية تسك للاستعمالات المالية في أوستراليا والبيرو والمكسيك وإسرائيل. 

وكان الصينيون أول من أنتج أوراق النقد في القرن السادس عشر الميلادي. وفي القرن الحادي عشر كان المحارب قبلان خان في الصين أول رجل يرخص لإصدارات كبيرة من الأوراق النقدية، ليدفع لجنوده المنغوليين الذين ثبتوها في اقتصاديات الأماكن التي غزوها. 

ويقدم المسافر البندقي (نسبة إلى البندقية) ماركو بولو وصفا رائعا عن الاحتفال الفتان الذي صاحب كل إصدار. وكان ماركو بولو أول أوروبي يعلن أن آلة الطباعة يمكن أن تكون أسهل طريقة في تمويل الاقتصاد، لكن المنغوليين لم يكونوا قادرين على الاستمرار في الصين، وفي منتصف القرن الثاني عشر أصبحت أوراقهم النقدية عديمة القيمة. 

ويعود تاريخ الأوراق النقدية الأولى في أوربا إلى عام 1661 في السويد، حين أصدر مصرف كبير أوراقا مالية. وفي بريطانيا لاقت الأوراق المالية الأولى انتشارا واسعا، وكانت دليلا ثابتا على قطع النقد الذهبية المودعة لدى مصرف عائلة "غولد سميث" وهم الرعيل الأول الذي أسس البنوك التجارية. وكانت تلك الأوراق تعني قبولا بقيمة الذهب المودع، وقد بدأ هذا المصرف أعماله سنة 1640 عندما استولى شارع الأول على مستودعات الذهب القابعة في برج لندن ليتمكن من تمويل جنوده على المقاومة في الحرب الأهلية، وبعدها طبع مصرف "غولد سميث" أوراقه الخاصة التي لاقت انتشار واسعا حتى القرن التاسع عشر. 

كان مصرف إنكلترا، (المصرف المركزي) الذي أسس في شهر يوليو (تموز) من ذلك العام قرر والحكومة طبع ثلاثة أنواع من الأوراق المالية تشير إلى النموذج الذي وضعه المصرفي "غولد سميث". وكانت هذه الأوراق النقدية الأولى على شكل سندات مختومة بقيمة مائة جنيه إسترليني، تشبه كثيرا أوراق التعهد بالدفع. 

أما مصرف اسكتلندا فأصدر أول جنيه إسترليني بعد خمس سنوات، وتبعه مصرف انغلترا بعد 98 سنة. وكان على أوراق النقد المصرفية أن تنتظر عام 1833 لتصبح جزءا تأسيسيا وقانونيا من العملة الوطنية وحتى عام 1938 لتصبح النقد القانوني الوحيد في المملكة المتحدة وإيرلندا الشمالية، وتأخذ اسم أوراق الخزينة. وما زالت مصارف اسكتلندا تصدر أوراقا مالية، من غير أن تكون بالضرورة مقبولة خارج البلاد. والاسكتلنديون ذوو المزاج الحار يكتشفون ذلك دائما كلما عبروا الحدود. 

في الولايات المتحدة كان للأوراق المالية منطلقا مثيرا. فقد ابتدأت حين أعلن الكونغرس في 22 يونيو (حزيران) 1775 أن المليوني سند إيداع التي كانت شكلا من أشكال النقد المصرفية الصادرة لتمويل حرب الاستقلال، يجب أن تستهلك كقطع من الدولار الإسباني الذي كان معروفا عند محبي قصص القرصنة. وقبل هذه الأوراق كانت هناك أوراق نقدية متعددة الأشكال في مستعمرات متفرقة، لكنها كانت من فئة مئات الجنيهات والشيلينات كما في نيويورك أو كونتيكيت أو نيو إنغلند. ونتيجة للتضخم الهائل الذي نجم عن هذا الأسلوب في تمويل الحرب الذي تطلب إصدارا بعد إصدار، كانت عملية عرض ورقة دولار واحد مساوية لمائة من الأوراق القديمة أمرا غير مقبول. وبفعل الحاجة إلى رأس المال أو إعادة البناء، أصدرت ولايات حديثة أوراقها النقدية الخاصة بها، ما زاد من التضخم الذي ارتفع بشكل حلزوني، خصوصا أن هذه الأوراق لم تكن مساوية في قيمتها للقطع الذهبية والفضية. وتمثلت المعضلة الحقيقية التي واجهت الولايات الجديدة في أن إصدار أوراق مالية كان شيئا ممنوعا من الدستور. وقد تعقدت الحال بسبب الحاجات المختلفة، واحتجاج المزارعون إلى المال وأرادوه بأي ثمن. 

كان ثمن البضائع المستوردة وكلفة الإسراع في تنمية الأرض الغنية يؤخذ من الأرباح التجارية بواسطة أوراق النقد المالية التي لم تكن في الغالب مقبولة في البلاد الأخرى. ففي ولاية ماساتشوستس أدى هذا الصراع إلى التمرد على قيمة العملة الورقية، لكن هيام المزارعين بقيادة السيد شاي خفف من هذا التمرد، خصوصا بعدما لجأت الحكومة إلى استخدام القوة. وقد أدى الشغب الكبير الذي حدث في واشنطن نتيجة اجتماع "أنابولس" إلى شغب أكبر منه في فيلادلفيا، الولاية التي صنعت استحالة إيجاد عملة ثابتة. 

إن ورقة الدولار كما نعرفها اليوم، لم تصدر إلا عندما اندلعت الحرب الأهلية وأعيد النظر في النظام المصرفي والمصارف الوطنية العاملة بموجب القوانين الفيدرالية. غير أن هذا التطور لم يعط الولايات المتحدة مؤسسة مصرفية مركزية، إذ تعين على البلاد أن تنتظر حتى ليل الحرب العالمية الأولى لتؤسس نظام احتياط فيديرالي وضعها في مرتبة متساوية لمرتبة البلاد ذات المصارف المركزية. ويمكن رد هذا التفسير إلى الكره الأمريكي التقليدي للسلطات المركزية وشكوك المصرفيين، وهي سمات تتجسد في ثقافتهم كلما حاولوا تنظيم أعالهم المصرفية. 

وكما تقدم، فإنه على الرغم من السهولة العظيمة في عمليات استخدام أوراق النقد، ما زال كثير من الشعوب يشكك في قيمة هذه الأوراق، خصوصا في آسيا والشرق الأوسط. ولا ريب في أن لدى الناس ما يبرر هذا الشك. لنأخذ هنغاريا ب عد الحرب العالمية الثانية على سبيل المثال. كان شراء حذاء يتطلب ملايين من البنغوس، مع أنه كان بمقدور المرء شراء الحذاء نفسه بأقل من المائة في العام السابق. وحين يستلزم الأمر حمل حقيبة محملة بالنقود لشراء حذاء فهذا يعني أن ثمة شيئا غير عادي في النظام. ولذلك نجد الناس في البلاد التي لا تدعم فيها أوراق النقد باحتياط كاف ومقبول لاستقرارها في ريب من الحفاظ على ثرواتهم في أشكال من عملة الورق. وتزداد الحاجة إلى الذهب بمجرد حصول مشاكل سياسية واقتصادية أو رؤية أي دليل على انهيار القانون أو نظم البلد. وحتى في أوروبا الغربية، حيث الاحتياطي كاف وملائم، خصوصا في فرنسا، ما زالت مخابئ الذهب بادية للعيان. 

في فرنسا أوجدت سلسلة التدهورات المأسوية بعد الحرب العالمية الثانية لدى المزارعين وصغار التجار كرها لعملة الورق. وفي بريطانيا لا يحق لفرد أن يحمل سبيكة ذهب، لكن يحق له أن يحمل جنيهات ذهبية أو قطع نقود ذهبية. ولا ينطبق ذلك على الفضة، بل حدث في الستينات والسبعينات أن باع كثير من الناس مخازنهم وأسهمهم مقابل فضة للتعويض عن التضخم. 

كان الذهب في الشرق الأوسط وآسيا المقياس الحقيقي لثروة الرجل. وليس ذلك بمستغرب. ففي الشرق الأوسط استعمل الذهب أول مرة في سك النقود. ورغم فقر ملايين الهنود المدقع وتشريع الحكومة الهندية لضبط سير الذهب، ما زال تملك الذهب مهما إلى درجة أن الفقير المعدم سوف يؤثر الجوع ليشتريه. وبسبب الذهب الغالي الثمن تجري عمليات التهريب في دبي، البلد الصغير على طرف شبه الجزيرة العربية عبر المحيط الهندي إلى المرافئ الصغيرة في الهند. ويعود السبب وراء هذه العمليات الطويلة المكلفة إلى التقليد المتبع في دفع "مؤخر الصداق" عند الزواج بالذهب الذي تلبسه العروس وتتزين به. ومع وصول الذهب إلى الهند يربح كثيرون من ورائه. وبعد الحسم والدفع بين المهربين يمكن لسعره أن يكون أعلى بكثير من سعره في أوروبا. وقد يجد القراء في ذلك مفاجأة وهم يتتبعون السعر اليومي للذهب، وكانوا قد أيقنوا أن سعر الذهب ثابت في كل أنحاء العالم. 

إلا أن "الثابت" في الصباح وبعد الظهر في لندن، هو سعر السوق المعترف به في تجارة الذهب الحرة التي ترتكز عليها أسعار العالم. وبما أن السعر يعتمد كليا على العرض والطلب، فهو يهبط أو يرتفع بناء على ذلك. 

والشيء نفسه يقال عن الفضة. إن التجار يتفقون على سعر في لندن ويكون هذا غالبا سعر السوق في كل أنحاء العالم. ويطبق هذا على ما يعرف بالسوق الحرة. لكن في أيامنا هذه، هناك سعر آخر للذهب هو "الرسمي" ولا يدخل ضمن إطار الثابت، لكنه يحفظ ويشترى بسعر ثابت من قبل المصارف المركزية في كل أنحاء العالم، كجزء من الدعم للعملات المختلفة لهذه المصارف. 

وكما سبق القول، يمثل المال أنجع طريقة مريحة لدفع ثمن البضائع والخدمات، وهذا فإننا قد نتساءل هل أن رجلا يملك مالا هو بالضرورة رجل غني؟ 

الجواب هو لا، لأن رجلا غنيا لا يستخدم ماله سيجد أن قيمة ماله قد دنت مع الزمن، لذلك فإن الطريقة التي يستخدم المرء فيها ماله، هي التي تحدد في النهاية إذا كان غنيا وإلى أي حد. 

إن النصيحة الكلاسيكية حول كيفية جني المال لخصها يهودي ثري مشهور كالآتي: حين كان صبيا فقيرا رأى في السوق قطعة قماش مسعرة بقرش. اشتراها وأخذها إلى البيت وقصها نصفين وباع كل نصف بقرش، ثم أعاد استثمار قرشه مع القرش الذي ربح في شراء قطعة أكبر، قصها ثلاث قطع وكرر عمليات البيع حتى أصبح يتاجر بآلاف الدولارات. 

جوهر القصة هو المبدأ، لا تهدر مالك وتجعله غير ذي قيمة. ضعه في العمل، وحين تصل إلى مرحلة يمكنك فيها العيش رغيدا بجزء من الاستثمار، عندئذ تكون في طريقك إلى الثراء. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق