الخميس، 16 يناير 2014

منظومة الحكم في أعالي البحار


 اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار” – التي تُعرَف أيضاً بـ”دستور المحيطات” – هي المصدر الأساسي للقانون الدولي الذي يُنظِّم المحيطات. ولعل الجانب الأكثر شيوعاً فيها هو ما تنصّ عليه من أن كل بلد ينظّم صيد الأسماك ضمن “منطقته الاقتصادية الحصرية” [(Exclusive Economic Zone (EEZ]، التي تمتدّ حتى مسافة أقصاها 200 ميل بحري من الساحلوخلفها مباشرةً تقع أعالي البحار أي المياه الدولية التي تشكّل نحو ثلثَي المحيطات، أي 45 في المئة من مساحة الكرة الأرضية.
تُحدّد “اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار” حقوق الدول ومسؤولياتها في ما يتعلّق بأوجه استعمال المحيطات، بما في ذلك الصيد والملاحة والاستكشافات العلمية والتعدين في قاع البحار والمحيطات. وقد شكّل إقرارها محطّة أساسية في التعاون المتعدّد الأطراف، وكان النجاح حليفها في عدد كبير من هذه المسائل، إنما ليس فيها كلها، لا سيما في ما يتعلّق باستنزاف الأرصدة السمكية وتدهور التنوّع البيولوجي.
وُضِعت ”اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار“ في ستيّنيات القرن العشرين، ثم نوقِشَت على طاولة المفاوضات في السبيعينيات، وجرى توقيعها في العام 1982، مع العلم بأنها لم تدخل حيّز التنفيذ سوى في العام 1994. لكن منذ العام 1982، ظهر عدد كبير من الاستعمالات الفعلية والمحتملة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الصيد في أعماق المحيطات الكبرى، واستخراج الموارد الجينية من الحياة البحرية، والهندسة الجيولوجية. اكتُشِفَت الفوّهات الحرارية المائية قبل وقت قصير من توقيع “اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار”؛ كما أن التهديدات على غرار تحمّض المحيطات هي اكتشافات حديثة جداً ولم تكن بالتالي حاضرةً في المداولات التي أدّت إلى إقرار الاتفاقية.
بعض هذه الهواجس توقّعها أرفيد باردو [Arvid Pardo]، الدبلوماسي المالطي لذي يُعرَف بـ”الأب الروحي لقانون البحار”. فقد اعتبر أنه ستكون هناك حاجة إلى “نظام دولي جديد” لتنظيم “المشاكل التي يولّدها تقدّم العلوم والتكنولوجيا”، وضمان التكافؤ في توزيع الحصص في عالم تزداد فيه المنافسة. لكن، ولأسباب عدّة، لم تتجسّد رؤيته عن أعالي البحار على أرض الواقع في العام 1982، وظلّت غير واضحة المعالم.
الهاجس الآخر هو أن حكم المحيطات متشعّبٌ جداً. فلكل من المسائل المختلفة مثل مدّ الكبلات في قاع المحيطات، والتعدين في قاع المياه، ورمي النفايات في المحيطات، معاهدة تُنظِّمه. وعلى صعيد إقليمي، يمكن أن يكون خليط التنظيمات أكثر تعقيداً. ففي أعالي البحار، هناك ما يزيد عن 30 منظمة لإدارة المصايد وتقديم الاستشارات بهذا الشأنالتغطية التي تؤمّنها غير منتظمة وغير مكتملة، وفاعليّتها متقلِّبة إلى حد كبير. فضلاً عن ذلك، هناك نحو 13 برنامجاً إقليمياً للبحار والمحيطات بموجب برنامج الأمم المتحدة البيئي، وخمسة برامج أخرى تشكّل أيضاً جزءاً من شبكة البحار الإقليمية، الأمر الذي يطرح تحدّيات كبيرة أمام إنفاذ القوانين في البحار والمحيطات. حتّى لو طُبِّقَت كل الاتفاقات القائمة وفُرِضَت بطريقة فاعلة، ستبقى هناك ثغرات خطيرة في منظومة حكم المحيطات، أبرزها:
  1. غياب الاعتراف الرسمي بالحاجة إلى حماية التنوّع البيولوجي في أعالي البحار، وعدم وجود آلية ذات تفويض يخوّلها توفير هذه الحماية
  2. غياب التفويض لإنشاء محميات بحرية في أعالي البحار
  3. عدم وجود أماكن لتطبيق الاستعمالات الناشئة مثل التنقيب البيولوجي
  4. تغطية جغرافية غير كافية وغياب الإدارة الفاعلة للمصايد
  5. عدم وجود قوانين تُنظِّم الضجّة في المحيطات وتأثيراتها المحتملة على الحياة البحرية
  6. عدم وجود آلية أو هيئة كفوءة لفرض الحفاظ على الحياة في المحيطات، وعقوبات محدودة أو غياب العقوبات بالمطلق في حالة المخالفة.
تؤدّي هذه الثغرات مجتمعةً إلى تفاقم نقاط الضعف التي تعاني منها المنظومة ككل، والتي تتسبّب باستمرار التهديدات على غرار الصيد غير القانوني وتدمير التنوّع البيولوجي البحري.
سوف يتمحور أحد العناصر الأساسية في عمل المفوّضية العالمية للمحيطات على التدقيق في الإطار القانوني وقواعد الإدارة التي تُنظِّم أعالي البحار، وتقييم الإجراءات التي يجب اتّخاذها من أجل تأمين سلامة المحيطات وقدرتها على الإنتاجية المستدامة في المستقبل.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق