الأحد، 3 نوفمبر 2013

علماء الآثار ينبشون تاريخ عقوبة الإعدام


حكاية جلاد... علماء الآثار ينبشون تاريخ عقوبة الإعدام

طوال سنوات، لم يهتم كثيرون باكتشاف ما يكمن وراء المشانق ومنصات الإعدام. لكن بدأ الاهتمام المتزايد بـ«علم الآثار في مواقع الإعدام} في ألمانيا يسلّط الضوء على طريقة موت المشنوقين ونمط حياة من كانوا ينفذون حكم الإعدام. «شبيغل» تابعت بدورها الموضوع.

كان اهتمامها يتمحور في البداية حول الأزياء لكن سرعان ما تحول تركيزها نحو عالم القتل وتحلّل الجثث. عملت ماريتا جينسيس (42 عاماً) كعارضة أزياء في دار {إسكادا} بعد التخرج في المدرسة الثانوية. ثم درست في المرحلة اللاحقة التاريخ القديم وكسبت معارف عن القانون الجنائي.
اليوم، أصبحت عالمة الآثار هذه محاطة بالمجرمين. تقف في مخزن تابع لـ}مكتب ولاية ساكسونيا السفلى للحفاظ على الآثار} وتشير إلى عدد من العظام. ثمة بقايا لجثث اللصوص وممارسي اللواط وقتلة الأطفال.
وُجدت الهياكل العظمية بالقرب من ألكرسليبن، على مسافة غير بعيدة من مدينة إرفورت في شرق ألمانيا، حيث كان حكّام كيفرنبورغ يعاقبون المجرمين منذ أكثر من 700 سنة. على تلة تطل مباشرةً على طريق تجارية مؤدية إلى نورمبيرغ، كان الجلاد يؤدي مهمته التعيسة. كان يُبقي رأسه مغطّى ولكنه لا يفعل ذلك بسبب اشمئزازه مما يفعله بل لحماية نفسه من {العين الشريرة} للمحكوم عليه.
اكتشف الباحثون بقايا 70 شخصاً تقريباً وهي تخضع الآن لتقييم أنثروبولوجي. كان أحد القتلى مربوطاً بينما تمدد شخص آخر بالقرب من سلسلة حديد. دُفن رجل ثالث مع شفرة حادة. تقول جينسيس: {قد تكون هذه الأداة سلاح القتل}. كانت هذه العالمة (أصلها من بوتسدام، خارج برلين) قد أتمّت لتوها أطروحتها عن موقع الإعدام هذا. هي واحدة من مجموعة باحثين جديين يطاردون الأسرار الكامنة وراء المشانق ومنصات الإعدام القديمة.
تشير أحدث النتائج المدهشة إلى وجود كومة عشوائية من العظام داخل الأنقاض. يشرح جوست أولر، مؤرخ من بلدة دورماغن في غرب ألمانيا: {كان كثر من الخارجين عن القانون يُعلَّقون لفترات طويلة من أعناقهم إلى أن تفسد جثثهم وتسقط. ثم يتم التخلص من الجثث بكل ازدراء في أرض دنسة. لم تُذكَر أيّ من هذه الأمور في الوثائق القديمة}.
يُعتبر أولر {ملك المشانق} في ألمانيا وينظر إليه كثيرون على أنه رائد في هذا المجال. نشر ثلاثة أجزاء حول {علم الآثار في مواقع الإعدام}. وفي أحدث كتاب له صدر في شهر نوفمبر الماضي، يتحدث 40 زميلاً له تقريباً عن {مواقع قطع الرؤوس} و}عربات المزارعين} (أي المركبات التي كانت تُستعمل لنقل المحكومين إلى موقع الإعدام) والمتاجرة بالجثث التي كانت تصل إلى طاولات تشريح الأطباء.

مهمة قذرة

يُقال إن المصابين بمرض الصرع كانوا يجمعون ويشربون دم {شيندرهانس}، المجرم الألماني الشهير الذي كان يُقارَن أحياناً بروبن هود، لأنهم كانوا مقتنعين بأن ذلك الدم سيشفيهم. كذلك، يُقال إن زعيم القراصنة الألمان، كلوس ستورتيبيكر، غُرز فيه قضيب على طول ضفاف نهر إلبه.
لكن هل هذا الكلام صحيحاً؟ كيف كان أجدادنا يطبقون العدالة؟ تم تجاهل تلك {المشاهد الموجعة} القديمة لسنوات كثيرة بحسب رأي أولر، في إشارةٍ إلى مواقع الإعدام، {لكنها كانت جزءاً من المشهد العام مثل طواحين الهواء}.
اليوم، تجدد الاهتمام بتلك الأماكن المريعة. ترتفع منصة إعدام على علو سبعة أمتار في الهواء في ولاية ستيريا في جنوب شرق النمسا حيث ستبدأ عملية استكشاف أثرية في هذا الربيع. باتجاه الشمال، في بلدة بوتنستاين البافارية، يحقق فريق آخر في الأنقاض المتحللة لمشانق محلية.
تشهد الأدلة التي وجدها الباحثون على وحشية العصور الوسطى. غالباً ما يكتشف علماء الآثار بقايا مبعثرة. سمحت مدن عدة بتعليق المجرمين في الهواء طوال سنوات. كانت الغربان تقتات من لحم الجثث وتفتّتها. في مرحلة معينة، فسدت جثث 30 مجرماً بشكل جماعي على المشانق في أوغسبورغ، بالقرب من ميونخ. بعد ذلك، رُميت الجثث في حُفَر صغيرة وكأنها مجرد نفايات. كانت طريقة الدفن اللامبالية في تلك الأراضي الدنسة ظاهرة شائعة.
لم يكن الوضع أفضل بالنسبة إلى من كانوا يموتون بعد تثبيتهم على عجلة خشبية وضربهم حتى الموت. كانت تلك الطريقة أكثر شناعة من جميع العقوبات. كان من يمارس التعذيب يكسر ضلوع المجرم وأطرافه قبل تثبيته على عجلة متّصلة بقضيب كي يُرفع المحكوم عليه في الهواء ويشاهده الجميع. يقول أولر: {نجا بعض الأفراد من هذا التعذيب واستفاد من قرار عفو}.
واجه روبرت فرانسوا داميانز الذي كان يوشك على التحول إلى قاتل وتجرأ على مهاجمة الملك لويس الخامس عشر تعذيباً أسوأ من ذلك. استعمل حاجب المحكمة الكبريت لحرق اليد التي حملت الخنجر. كذلك، استُعملت كماشة لفصل الجلد عن ذراعيه وصدره وفخذيه وسُكب الرصاص المنصهر على الجروح.
فشلت محاولة جرّه وشد جسمه في اتجاهين معاكسين في البداية على رغم الاستعانة بستة أحصنة. ما كان يمكن تمزيق جسم ذلك الرجل التعيس إلا بعد تضرر عضلات كتفيه ووركيه بشكل فادح.
لكن نادراً ما كانت الجماهير تشاهد هذا النوع من عروض التعذيب المشينة. بل تشير الأدلة الأثرية إلى أن قطع الرؤوس كان شكلاً شائعاً جداً من عمليات الإعدام. كان المحكوم عليه يضطر إلى الركوع كي يتلقى ضربة قوية من الخلف بالسيف. في القرن السابع عشر، كانت الفؤوس وأدوات التقطيع رائجة.
كان الجلادون الشباب يضطرون طبعاً للخضوع لاختبارات كي يثبتوا أنهم يتمتعون بالمهارات المطلوبة. على رغم التدرب على قطع الملفوف، ما كانوا يصيبون الهدف في أغلب الأحيان بل كانوا يضربون ظهر المجرم أو جمجمته. يمكن إثبات ذلك استناداً إلى البقايا التي تم اكتشافها.
مع ذلك، لا يزال علماء الآثار مندهشين من هيكل عظمي يعود لامرأة ووُجد في موقع مطار برلين براندنبورغ الجديد. كانت الجثة مدفونة في خندق بالقرب من بلدة سيلشو، على بُعد 15 كيلومتراً من أقرب موقع إعدام. كانت الجمجمة تقبع فوق عظمة ساق، ما يشير إلى قطع رأس المرأة. لكن أين عنقها؟ لا يزال معظم فقرات العنق مفقوداً.

عقاب وردع

أقدم الجلادون على تعذيب ضحاياهم وتشويهها، وكانوا يعملون غالباً في جو من العفن. لم يكن مفاجئاً أن يتجاهلهم الآخرون. كانت مهنتهم تُعتبر {قذرة} وغالباً ما كان أصحاب الحانات يرفضون خدمتهم. كانت عائلات الجلادين تتزوج حصراً من محيطها الداخلي.
لكن كان الجلادون يقومون بأعمال أخرى لها منافع أكبر. فقد كانوا يسلّمون جيف الحيوانات ويخصون الكلاب وينظفون السجون. وقد كانوا جميعاً بارعين في فنون المداواة والجراحة.
بما أن الجلادين كانوا يستطيعون تمزيق أقدام الصيادين غير الشرعيين وقطع أيادي اللصوص وأصابع الشهود الزور، كانوا يجيدون أيضاً استئصال أعضاء الجسم المريضة. عند دمغ المجرمين، كانوا يستعملون قطعة حديد ساخنة ولامعة ثم يفركون البارود في مكان الجرح.
احتفظ الجلادون بسمعة سيئة على رغم معارفهم المفيدة في مجال التشريح. صحيح أن كتاب {مرآة الساكسون} (مدوّنة قانونية صدرت في القرن الثالث عشر) أشاد بالجلادين لأنهم ينفذون {عمل الله}، لكن كان معظمهم منبوذاً من المجتمع. كانوا يرتدون القفازات لأن أحداً لم يرغب في لمسهم.
على صعيد آخر، لم يشعروا يوماً بتأنيب الضمير عند عقد صفقات مشينة تستدعي المتاجرة بأعضاء الجسم. كانوا يبيعون الدهون البشرية ويتاجرون بشعر العانة والأصابع ونسيج الشعر على اعتبار أن تلك العناصر ستكون الركيزة الأساسية للعلاجات السحرية. لكن بقي الشنق عملهم الأساسي. يقول أولر: {كانت غالبية أحكام الموت تُنفَّذ بحبل المشنقة}.
هكذا كانت تتم عملية الشنق: يوضع حبل مدهون بالشحم حول عنق المجرم ويتم دفعه من سلّم. لكن نادراً ما كانت تلك الحركة كافية لكسر عنقه لأن السقطة لا تكون قوية بما يكفي. بل كان الحبل يخنق شرايين العنق. في أفضل الأحوال، كانت السقطة توقف تدفق الدم إلى الدماغ، ما يسبب فقدان الوعي بعد حوالى خمس ثواني. وفي أسوأ الأحوال، كان الشخص يتلوى إلى أن يختنق.
هكذا كان يموت الخطاة في الماضي: كانوا يتعرضون للتعذيب والضرب بالهراوات والخنق. يوضح أولر: {في تلك الحقبة، لم يفكر أحد بإعادة التأهيل. كانت الحياة تتمحور حول العقاب والردع}.
لكن لم يكن ذلك كافياً دوماً بالنسبة إلى مؤيدي التعذيب والإعدام في العصور الوسطى. تجنباً للمشاكل، كانت جثث الساحرات تُحرَق حتى لا يبقى منها إلا الرماد.
بالقرب من بلدة ألكرسليبن في شرق ألمانيا، اكتُشف هيكل عظمي مدفون تحت طبقة سميكة من الحجارة. يبدو أن ذلك الرجل كان يخضع لحراسة مشددة كي لا يتمكن من الهرب من القبر.
ربما كان مصاص دماء!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق